* مقطع بعنوان انكشاف من رواية "رام الله الشقراء" لعبّاد يحيى، الطبعة الأولى- "دار الفيل" القدس 2013.
* انكشاف
أتعلمين، إن واصلنا الحديث بهذه الطريقة سنصاب بـ "الفرنجة فوبيا" أو "الأجانب فوبيا"، ولا أظنّنا نريد ذلك، مع وجود مما يبرر قلقنا.
أشعر أنّنا نعيش أكثر المراحل انكشافاً، ولا ملاذ ولا ملجأ لنا أمام كلّ هذا الاستهداف، لا أدري إن كان هنالك مكان في العالم يدخل إليه هذا الكمّ الهائل من الأجانب ولا تملك السلطات المسؤولة فيه أيّة معلومات عنهم، ولا تملك أن تحتج على أيّ نشاط يمارسونه، السلطة هنا هي على الفلسطينيين فقط، حرفياً هي علينا نحن فقط.
أُلاحظ دوماً أنّ الأجانب يسيرون حاملين آلات التصوير بكلّ أشكالها، وبخلاف بحثهم عن كلّ عاديّ يرونه هم يستحق التصوير، ووقوفهم موقفَ المستكشف الأول لغرائب العالم الجديد؛ فإنّهم يستطيعون تصوير أيّ شيء من مرافق حكومية ورجال أمن ــــــــــــ بل إنّ بعضهم يلتقط الصور مع أفراد الأمن الوطني كتذكار ــــــــــــ ومؤسسات "سيادية"! ولا يجدون من يسألهم عن المواد المصورة ولأيّة جهة تذهب. قد يكون هذا طبيعياً، إلا أنّ العجيب الغريب أنّ الحال في غاية الاختلاف إن كانت العين وراء العدسة فلسطينية؛ تُصادر الكاميرا غالباً ولا ينجو صاحبها وإن كان صحفياً، وللطرافة تجدين في رام الله الكثيرين يهزأون مما يصوّره الأجانب، ويعتبرون تصوير الشوارع والناس وسيارات الأمن والبنايات ضرباً من "قلّة العقل".
دعينا من الأجانب، أخبرني صحفي زميل يدرج في عالم إخراج الأفلام الوثائقية، أنّه فكّر في إنجاز مادة توثيقية بالاعتماد على كاميرات المراقبة الموزّعة في المتاجر والمجمّعات التجارية والطرقات في قلب رام الله.
صاحبنا توصّل إلى أنّ السير من فندق قصر الحمراء صوب دوّار المنارة عبر شارع الإرسال، ومن ثمّ العبور إلى دوّار الساعة، والعودة منه إلى شارع ركب حتّى آخره؛ كلّه مرصود بهذه الكاميرات التي يُفرَض على أصحاب المحلات والمتاجر تركيبها!
بلغته: يمكن عمل مشهد متواصل لسير أحدهم في قلب رام الله وشوارعها الرئيسة بالاعتماد على كاميرات المراقبة المفروضة على الجميع، ولن يكون الشخص المرصود ضمن هذه المسافة في أيّة لحظة خارج مجال عيون العدسات.
من يصدق أنّ هذا يجري في شوارع كانت تعطّل فيها الإنارة ليلاً حتّى يتحرّك أفراد الفصائل دون أيّة رقابة، أو إمكانية رصد من أحدهم، يوزّعون منشوراً سياسياً أو يكتبون على الجدران شعارات الانتفاضة وتهديد العملاء بالعواقب الوخيمة.
ليس هذا وحسب، ففكرة الفيلم الوثائقيّ القصير كانت كفيلة بكشف هذا الرصد المهول، فرفضت الشرطة منحه الإذن بالعمل، ومن اللّافت في حديثه عن الفكرة غير المنفذة، أنّ بقالة صغيرة ضمن هذا المحيط تُجبر على تركيب عدة كاميرات، في حين لا تجدين أيّة كاميرا مراقبة في متاجر صياغة الذهب والمجوهرات في نابلس مثلاً.
آه يا زمن الإنكشاف!
يتهكم صديقي ويقول معلقاً على عمارات الزجاج تتكاثر كالفطريات في رام الله: "شعب الحجارة يتحول إلى شعب الزجاج".